فصل: تصريف الرياح في منظور العلوم المكتسبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما الذين كفروا بالله. وملائكته. وكتبه. ورسله. وكذبوا بالبعث بعد أن اخبروا بحتميته. واستمعوا الأدلة العديدة لإثبات امكانيته فيقال لهم توبيخا وتحقيرا: {أفلم تكن آياتي تتلي عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين} (الجاثية 31).
وحينئذ يتبين لهؤلاء المكذبين مدي سوء جرمهم أن كذبوا بآيات ربهم. فينالهم من العقاب ما يستحقون. وحينئذ يقال لهم كذلك: {اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين} (الجاثية 34).
أي اليوم تنسون في العذاب كما نسيتم أنكم ملاقوا ربكم يوم الحساب. ومقركم النار. وليس لكم من ناصرين يغيثونكم من عذابها. أو يمكن لهم ان يخرجوكم منها. وذلك جزاء تكذيبكم لآيات الله. واستهزائكم بها. واغتراركم بالدنيا وزخرفها وبهرجاتها ولا عتبي لكم اليوم عندنا.
وتختتم السورة الكريمة بإقرأر الحمد لله رب السموات ورب الأرض رب العالمين. الذي له وحده الكبرياء في السماوات والارض. بغير ولد ولا صاحبة. ولا منازع. ولا شبيه. ولا شريك وهو العزيز الحكيم.
والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الجاثية علي صدق ما جاء فيها من حقائق ايمانية آيات عديدة منها ما يلي:
1- ما في السماوات والارض من آيات.
2- تسخير ما في السماوات والارض جميعا لخدمة الإنسان. ورعايته وحمايته.
3- الآيات الكثيرة في خلق كل من الإنسان والحيوان.
4- الآيات في اختلاف الليل والنهار.
5- الآيات في إنزال الرزق من السماء فتحيا به الارض بعد موتها.
6- الآيات البينات في تصريف الرياح.
7- الآيات الواضحات في تسخير البحر لتجري الفلك فيه بأمر الله وليبتغي الخلق مما فيه من خيرات الله وفضله لعلهم يشكرون.
وسوف اختار هنا النقطة السادسة فقط وهي آيات الله البينات في تصريف الرياح. وأبدأ بذكر الرياح في القرآن الكريم.
الرياح في القرآن الكريم المناطق المناخية على سطح الأرض ودورها في تصريف الرياح.
يعرف (الريح) بأنه الهواء المتحرك. وجاء ذكر الريح في تسعة وعشرين (29) موضعا من القرآن الكريم منها (14) مرة بالمفرد (ريح). وأربع (4) مرات بالصياغة (ريحا). ومرة واحدة بالصياغة (ريحكم). وعشر (10) مرات بصفة الجمع المعرف (الرياح).
كما جاءت الاشارة الي الرياح بعدد من صفاتها مثل (الذاريات) وهي الرياح التي تذروالتراب وغيره لقوتها. و(العاصفات) وهي الرياح الشديدة المدمرة لمن ترسل عليهم. و(المرسلات) وهي الرياح المرسلة لعذاب الكافرين. والمشركين والمكذبين.
ومعظم الآيات القرآنية التي ذكر فيها إرسال (الريح) بالإفراد (أي بلفظ الواحد) جاءت في مقام العذاب ومعظم المواضع التي ذكرت فيها (الرياح) بلفظ الجمع جاءت في مقامات الرحمة والثواب.
ومن آيات ذكر الريح بالإفراد قول الله (تعالى):
(1) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون (ال عمران:117).
(2) هو الذي يسيركم في البر والبحر حتي إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين (يونس:22).
(3) مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا علي شيء ذلك هو الضلال البعيد (إبراهيم:18).
(4) أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخري فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا (الإسراء:69).
(5) ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلي الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين (الأنبياء:81).
(6) حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أوتهوي به الريح في مكان سحيق (الحج:31).
(7) {ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر} (سبأ:12).
(8) فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب.(ص:36).
(9) ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد علي ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (الشوري:33.32).
(10) فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم.(الأحقاف:34).
(11) وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم (الذاريات:41).
(12) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية (الحاقة:6).
(13) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون (الروم:51).
(14).. إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها (الأحزاب:9).
(15) فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزي وهم لا ينصرون (فصلت:16).
(16) إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر.(القمر:19).
ومن آيات ذكر (الرياح) بالجمع قول الله (تعالى):
(1) {وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}(البقرة:164).
(2) {وهوالذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتي إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتي لعلكم تذكرون} (الأعراف:57).
(3) {وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين} (الحجر:22).
(4) {فأصبح هشيما تذروه الرياح} (الكهف:45).
(5) {وهوالذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا} (الفرقان:48).
(6) {ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}..(النمل:63).
(7) {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات} (الروم:46).
(8) {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا} (الروم:48).
(9) {والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا} (فاطر:9).
(10) {وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون} (الجاثية:5).

.أقوال المفسرين:

تصريف الرياح حو ل الأرض:
في تفسير قوله تعالى: {إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون} (الجاثية:3- 5).
ذكر ابن كثير (يرحمه الله) ما نصه: يرشد الله تعالى خلقه إلي التفكير في آلائه ونعمه. وقدرته العظيمة التي خلق بها السماوات والأرض وما فيهما من المخلوقات المختلفة الأجناس والأنواع. من الملائكة والجن والأنس والدواب. والطيور والوحوش والسباع والحشرات. وما في البحر من الأصناف المتنوعة. واختلاف الليل والنهار في تعاقبهما دائبين لا يفتران. هذا بظلامه. وهذا بضيائه. وما أنزل الله تبارك وتعالى من السحاب. من المطر في وقت الحاجة اليه. وسماه رزقا لأن به يحصل الرزق (فأحيا به الأرض بعد موتها) أي بعد ما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء. وقوله عز وجل (وتصريف الرياح) أي جنوبا وشمالا برية وبحرية. ليلية ونهارية. ومنها ما هو للمطر. ومنها ما هو للقاح. ومنها ما هو غذاء للأرواح. ومنها ما هو عقيم لا ينتج.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين رحمهما الله رحمة واسعة ما نصه:(إن في السماوات والأرض) أي: في خلقهما (لآيات) دالة علي قدرة الله ووحدانيته تعالى: {للمؤمنين}؛ {وفي خلقكم} أي: في خلق كل منكم من نطفة. ثم علقة. ثم مضغة. إلي أن صار إنسانا {و} خلق {ما يبث} يفرق في الأرض {من دابة} هي: ما يدب علي الأرض من الناس وغيرهم {آيات لقوم يوقنون} بالبعث؛ {و} في {اختلاف الليل والنهار} ذهابهما ومجيئهما متعاقبين. أوزيادة أحدهما ونقصان الآخر {وما أنزل الله من السماء} أي: السحاب {من رزق} مطر. لأنه سبب الرزق {فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح} تقليبها. مرة جنوبا ومرة شمالا. وباردة وحارة وشديدة ولينة {آيات لقوم يعقلون} الدليل فيؤمنون.
وذكر صاحب الظلال {رحمه الله رحمة واسعة} ما نصه: وقبل أن يعرض للقوم وموقفهم من هذا الكتاب. يشير الي آيات الله المبثوثة في الكون من حو لهم. وقد كانت وحدها كفيلة بتوجيههم إلي الإيمان. ويوجه قلوبهم إليها لعلها توقظها وتفتح مغاليقها. وتستجيش فيها الحساسية بالله منزل هذا الكتاب. وخالق هذا الكون العظيم:.... {وتصريف الرياح}.. وهي تمضي شمالا وجنوبا. وشرقا وغربا. منحرفة ومستقيمة. دافئة وباردة. وفق النظام الدقيق المنسوق المقصود في تصميم هذا الكون العجيب؛ وحساب كل شيء فيه حسابا دقيقا لا يترك شيئا للمصادفة العمياء.. ولتصريف الرياح علاقة معروفة بدورة الأرض. وبظاهرتي الليل والنهار. وبالرزق الذي ينزل من السماء. وكلها تتعاون في تحقيق مشيئة الله في خلق هذا الكون. وتصريفه كما أراد؛ وفيها {آيات} معروضة في الكون. ولكن لمن؟ {لقوم يعقلون}.. فللعقل هنا عمل. وله في هذا الميدان مجال.
وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن {رحم الله كاتبه برحمته الواسعة} ما نصه: اشتملت هذه الآيات الثلاث علي ستة أدلة كونية: خلق السموات والأرض. والمتأمل فيهما يعلم أنه لابد لهما من صانع حكيم. فيؤمن به. وخلق الإنسان وانتقاله في أطواره. وخلق ما علي الأرض من صنوف الحيوان؛ والمتأمل فيهما وفي ارتباط تكونهما بالعالم العلوي يصل بالتأمل الي مرتبة اليقين. والحوادث المتجددة في كل وقت من اختلاف الليل والنهار. ونزول المطر الذي به حياة الأرض بالنبات؛ وتقلب الرياح واثارها في البر والبحر؛ والتأمل فيها يؤدي الي استحكام العلم وقوة اليقين. وذلك لا يكون إلا بالعقل الكامل؛ ولذا اختتمت كل آية بما يناسب ما سبق فيها من الدليل.
و{يبث} أي ينشر ويفرق... {وتصريف الرياح} تقلبها من جهة الي اخري. ومن حالة الي حالة.
وهنا أشار الي الآية (164) من سورة البقرة حيث ذكر في تفسير قوله تعالى: {وتصريف الرياح} ما نصه: تقليبها جنوبا وشمالا ودبورا. حارة وباردة. عاصفة ولينة. عقيما ولواقح. بالرحمة تارة وبالعذاب أخري. وتصريف مصدر مضاف للمفعول. والفاعل هو الله. أي وتصريف الله الرياح أو مضاف للفاعل. والمفعول السحاب. أي: وتصريف الرياح السحاب.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم (جزاهم الله خيرا) ما نصه:... وفي اختلاف الليل والنهار في الطو ل والقصر. والنور والظلام مع تعاقبهما علي نظام ثابت. وفيما أنزل الله من السماء من مطر فأحيا به الأرض بالأنبات بعد موتها بالجدب؛ وبتصريف الرياح في جهات متعددة مع اختلافها برودة وحرارة. وقوة وضعفا علامات واضحة علي كمال قدرة الله لقوم فكروا بعقولهم فخلص يقينهم.
وجاء في صفوة التفاسير (جزي الله كاتبه خير الجزاء) ما نصه:
{إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين} أي إن في خلق السماوات والأرض وما فيهما من المخلوقات العجيبة. والأحوال الغريبة. والأمور البديعة. لعلامات باهرة علي كمال قدرة الله وحكمته. لقوم يصدقون بوجود الله ووحدانيته {وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون} أي وفي خلقكم أيها الناس من نطفة ثم من علقة. متقلبة في أطوار مختلفة إلي تمام الخلق؛ وفيما ينشره تعالى ويفرقه من أنواع المخلوقات التي تدب علي وجه الأرض؛ آيات باهرة أيضا لقوم يصدقون عن إذعان ويقين بقدرة رب العالمين {واختلاف الليل والنهار} أي وفي تعاقب الليل والنهار. دائبين لا يفتران. هذا بظلامه وذاك بضيائه. بنظام محكم دقيق {وما أنزل الله من السماء من رزق} أي وفيما أنزله الله تبارك وتعالى من السحاب. من المطر الذي به حياة البشر في معاشهم وأرزاقهم.
{فأحيا به الأرض بعد موتها} أي فأحيا بالمطر الأرض بعد ما كانت هامدة يابسة لا نبات فيها ولا زرع.
{وتصريف الرياح} أي وفي تقليب الرياح جنوبا وشمالا. باردة وحارة.
{آيات لقوم يعقلون} أي علامات ساطعة واضحة علي وجود الله ووحدانيته. لقوم لهم عقول نيرة وبصائر مشرقة.

.تصريف الرياح في منظور العلوم المكتسبة:

يعرف الريح بأنه الهواء المتحرك بالنسبة للأرض. والذي يمكن إدراكه إلي ارتفاع يصل إلي 65 كم تقريبا فوق مستوي سطح البحر. وإلي هذا الارتفاع تحكم حركة الرياح نفس العوامل التي تحكمها فوق سطح البحر وهي: الجاذبية الأرضية. قدر الاحتكاك بسطح الأرض. وتدرج معدلات الضغط الجوي. أما في المستويات الأعلي من ذلك فإن عوامل أخري تسود من مثل الكهربية الجوية. المغناطيسية. وعمليات المد والجزر الهوائيين.
وبما أن 99% من كتلة الغلاف الغازي للأرض تقع دون ارتفاع 50 كم فوق مستوي سطح البحر أي دون مستوي الركود الطبقي (TheStratopause). فإن دراسة حركة الرياح تتركز أساسا في هذا الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض.
وتقسم الرياح بالنسبة إلي ارتفاعها عن سطح الأرض إلي ما يلي:
(1) رياح سطحية وتمتد من مستوي سطح البحر إلي بضعة كيلومترات قليلة فوقه.
(2) رياح متوسطة وتمتد فوق الرياح السطحية إلي ارتفاع 35 كم فوق مستوي سطح البحر.
(3) ورياح مرتفعة وتمتد في المستوي من 35 إلي 65 كم فوق مستوي سطح البحر.
وتقسم الرياح السطحية حسب شدتها علي النحوالتالي:
ويصف القرآن الكريم الصنفين الأول والثاني من هذا التصنيف باسم الريح الساكن. والأصناف من الثالث إلي السادس باسم الريح الطيبة. والأصناف من السابع إلي التاسع باسم الريح العاصف. والأصناف من التاسع إلي الثالث عشر باسم الريح القاصف. وهذا سبق قرأني بأكثر من عشرة قرون للمعرفة العلمية المكتسبة في هذا المجال.
ويمكن تصنيف الرياح بحسب القوي المحركة لها وأهمها التأثير المشترك للعوامل التالية: التوازن الإشعاعي للشمس. وتوزيع درجات الحرارة عبر خطوط العرض المختلفة. ودوران الأرض حو ل محورها أمام الشمس. بالإضافة إلي التضاريس الأرضية المختلفة.
ويقدم كم الطاقة الشمسية التي تصل إلي الأرض الطاقة اللازمة لحركة الرياح. وذلك لأن أشعة الشمس التي تتعامد علي خط الاستواء وتميل ميلا كبيرا فوق القطبين تؤدي إلي التباين في توزيع درجات الحرارة علي سطح الأرض. هذا التباين الذي ينتج عنه حركة صاعدة للهواء الساخن حو ل خط الاستواء. وحركة هابطة للهواء البارد فوق القطبين.